الجمعة، 29 أبريل 2011

النظرية و التجربة

النظرية العلمية
تطرح علاقة النظرية بالتجربة إشكالا يتمثل في تحديد الأساس الذي ينبغي اعتماده لفهم العالم إذ نجد عددا من الفلاسفة و المفكرين يعتبرون أن للعقل القدرة الكاملة على فهم قوانين العالم و اكتشاف أسراره وذلك عن طريق التأمل النظري لأن العقل يمتلك أفكارا فطرية تؤهله لفهم كل ما في الوجود، بينما نجد عددا من الفلاسفة و العلماء يعتبرون أن المعرفة ينبغي أن تُستمد من الواقع وذلك من خلال اعتماد التجربة و الحواس، غير أن هذا الاختلاف الموجود بين التصورين يفضي إلى نمطين من البحث يكون أحدهما بحث عقلاني بينما يكون الآخر بحث تجريبي.
التجربة و التجريب
"كلود برنارد" يركز على دور التجربة والملاحظة لبناء المعرفة العلمية مع الالتزام بخطوات المنهج التجريبي(الملاحظة ثم الفرضية فالتجربة) والتي ستوصله إلى تقديم نظرية علمية وتفسير مناسب للظاهرة المدروسة، واشترط في الملاحظة على التخلص من الأفكار المسبقة ومحاولة تقديم وصف دقيق، ثم اتخاذ الحيطة و الحذر مع هذه المعطيات لكي لا يغفل الباحث ما هو مهم و يركز على ما هو ثانوي.
"روني طوم" يوضح أن التجربة ليست هي المصدر الوحيد للمعرفة العلمية وهي عاجزة بمفردها عن تفسير الظواهر فهي تحتاج إلى العقل والخيال، ويتجلى دور العقل في بناء المعرفة من خلال صياغة الفرضية، ثم محاولة اكتشاف الأسباب إلى جانب إمكانية القيام بتجارب ذهنية.
العقلانية العلمية
"ألبير انشتاين" يعتبر أن العقل مصدر المعرفة العلمية وذلك لأنه ينتج مبادئ وأفكار تعد بمثابة الأساس الذي ترتكز عليه النظرية، وتبقى التجربة بمثابة أداة مساعدة لإثبات صدق النظرية، إن المعرفة العلمية حسب "انشتاين" تنبع أساسا من العقل النظري، غير أنها تحتاج التجربة لكي تكملها و تؤكد صدقها.
"غاستون باشلار" تعد المعرفة العلمية نتيجة تكامل عمل كل من العقل والتجربة، حيث أن العقل ينتج أفكارا وتصورات يكون هدفها تنظيم معطيات التجربة و تفسير ما هو مادي وذلك ضمن نسق منطقي، بينما تعمل التجربة على استخلاص مجموعة من المعطيات الحسية بهدف إغناء المعرفة الإنسانية، وبهدف تحديد مضمون أفكار النظرية.
معايير علمية النظرية العلمية
"بيير تويلي" لكي تكون النظرية علمية يجب أن تخضع للاختبار، ولا ينبغي القيام بتجربة واحدة، إذ تعد التجربة الواحدة غير كافية، و لهذا فانه يقترح تعدد التجارب و الاختبارات في وضعيات مختلفة، إضافة إلى فرضيات جديدة من شئنها أن تضفي الانسجام على النظرية كما ينبغي على النظرية أن تخضع لمبدأ التماسك المنطقي بحيث تكون كل الأفكار مقبولة عقليا و خالية من التناقض و متماسكة منطقيا.
"كارل بوبر" يبين أن النظرية تكون علمية إذا كانت قابلة للاختبار ومعيار الاختبار هو القابلية للتكذيب باعتباره معيارا عقليا يستوجب الاعتماد على التجربة في محاولة وضع افتراضات بناء على معطيات جديدة تبين مجال النقص في النظرية.

العلوم الإنسانية
لقد كان ظهور العلوم الإنسانية خلال ق. 19 جد متأخر بالمقارنة مع العلوم التجريبية، لهذا لازالت تعاني من صعوبات في تحديد موضوع دراستها وفي اختيار المنهج المناسب للبحث، غير أن أهم الإشكالات التي تطرحها : تتمثل في تحديد علاقة الذات بالموضوع ما دام الإنسان هو الذات الباحثة و في نفس الوقت هو موضوع البحث. و يترتب عن ذلك تحديد قيمة المعرفة التي تنتجها العلوم الإنسانية إذا ما قورنت بما تنتجه العلوم التجريبية. هل يمكن التعامل مع الإنسان باعتباره موضوعا أو شيئا؟ ما قيمة المعرفة التي تصل إليها العلوم الإنسانية؟ هل يمكن تطبيق المناهج التجريبية في دراسة الظاهرة الإنسانية؟
موضعة الظاهرة الإنسانية
"جون بياجي" يواجهه الباحث في العلوم الإنسانية صعوبات في الكشف عن الحقائق بشكل موضوعي، إذ يواجهه مشكل تحديد المنهج المناسب إلى جانب التخلص من الذاتية، و ينتج عن هذا الوضع المتداخل صعوبة تحقيق الموضوعية.
"فرانسوا باستيان" يؤكد على ضرورة الفصل بين الذات والموضوع والالتزام بالحياد في دراسة الظواهر الإنسانية ليتمكن الباحث من الوصول إلى معرفة موضوعية، و ذلك بتأمل الظواهر الإنسانية باعتبارها أشياء، إذ ينبغي على الباحث أن يقتدي بالعلوم التجريبية وما حققته من تقدم في هذا المجال.
التفسير و الفهم في العلوم الإنسانية
هل يمكن اعتماد الفهم و التفسير في دراسة العلوم الإنسانية؟ و كيف يساهم التفسير و الفهم في بناء المعرفة ضمن العلوم الإنسانية؟
"ك. ل. ستراوس" يبين أن البحث في مجال العلوم الإنسانية لا يستطيع أن يصل إلى تفسير دقيق للظواهر، كما لا يستطيع أن يصل إلى تنبؤ صحيح بما ستكون عليه، و يبقى أن العلوم الإنسانية تحاول باستمرار أن تأخذ جوانب من التفسير وجوانب من التنبؤ في صياغة معارفها، ومن أسباب صعوبة تقديم التفسير في العلوم الإنسانية نجد تعدد العوامل المتدخلة في تحديد كل ظاهرة (عوامل نفسية، اجتماعية، سياسية، ثقافية...).
"فلهلم دلتاي"يرفض تقليد العلوم التجريبية في اعتماد منهجها كما يرفض اعتماد التفسير في دراسة الظواهر الإنسانية، و يؤكد بالمقابل على ضرورة بناء منهج علمي يناسب الظواهر الإنسانية ويأخذ بالاعتبار خصوصيتها.
نموذجية العلوم التجريبية
هل تعتبر العلوم الإنسانية بمثابة نموذج ينبغي لباقي العلوم أن تقتدي به؟ كيف يمكن للعلوم الإنسانية أن تتخلص من حضور الذاتية في النتائج؟
"ورنيي - طولرا" تعاني العلوم الإنسانية من تداخل الذات والموضوع بمعنى أن الباحث يعتبر جزءا أو مشاركا في الموضوع المدروس، إن العلوم الإنسانية لا يمكنها أن تصل إلى معرفة حقيقية للظواهر الإنسانية إلا بهذا التداخل بين الذات و الموضوع . فلا يمكن لدارس أن يفهم مجتمعا لم يعش فيه ولم يشارك في إنتاج أشكال حياته الاجتماعية. فليس عنصر الذاتية في العلوم الإنسانية عيبا بل ينبغي ألا تطغى هذه الذاتية على البحث فتغير من نتائجه و تأول دلالته.
"م. ميرولو بونتي" يبرز أهمية التجربة الشخصية في تكوين المعرفة بالعالم و ظواهره. إن كل إنسان ينطلق من وجهة نظره الخاصة و من فهمه الخاص ليبني معرفة بالكون ورغم اعتماده على منهج دقيق وعلى تجربة علمية يبقى حضور الذات مركزيا في تكوين كل معارف الإنسان.

هناك تعليقان (2):